بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده , و على آله و صحبه ؛أما بعد :
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ذكر الشيخ عبد المالك رمضاني - حفظه الله - في كتابه الثمين " ست درر من أصول أهل الأثر " فائدة منهجية عظيمة ؛ و ذلك حين تطرق إلى أول أصل , ألا و هو الإخلاص ؛ و بالضبط حين تكلم عن أول ما يجب أن يُدعى إليه - أي التوحيد الخالص - , فشرع في ذكر الأدلة لذلك ؛ و مما أورد حديث معاذ - رضي الله عنه - حين أرسله الرسول - صلى الله عليه و سلم - إلى اليمن لدعوة أهل الكتاب ؛ ثم قال الشيخ بعد ذلك :
"و هذا الحديث العظيم لم يترك لمنتصب للدعوة خيارا ؛ قال الله - عز و جل - : (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً )) [الأحزاب : 36 ].
و ما بال الناس يعجبون من هذه الأولوية ؛ و حق الله في أن يُعبد وحده أحق ما اشرأبّت إليه الأعناق, و لهجت به الألسن ؟
فهذا حق الله الخالص ؛ فكيف هان على أرباب المناهج الدعوية اليوم ؟!
أليس حق الله أحق ما فتحت له الأبواب , و فُسحت الرحاب ؟!
قال ابن القيم - رحمه الله - : " التوحيد مفتاح دعوة الرسل..." و ذكر حديث معاذ السابق (1)
و هو دعوتهم جميعا- عليهم الصلاة و السلام -؛ فلا وسّع الله صدرا ضاق بذلك ذرعا !
قال الله - تعالى - : (( لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )) [ الأعراف : 59 ]
و قال : (( وَإ ِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )) [ الأعراف : 65]
و قال : (( وَ إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )) [ الأعراف : 73 ]
و قال : (( وَ إِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )) [الأعراف : 85 ]...
و هكذا , مهما اختلفت الأمم , و تباينت مشاكلها ؛ فإن الدعوة إلى التوحيد هي الأصل ؛ سواء كانت مشكلتهم اقتصادية , كما في أهل مدين ؛ أو كانت خُلُقية كما في قوم لوط - عليه السلام -.
و لست بحاجة أن أقول : أو كانت سياسية ؛ لأن جميع هؤلاء لم يكونوا يُحْكَمون بما أنزل الله.
و لا يجوز أن يخبو نورُ هذه الدعوة المباركة زمنا ما , بزعم استباب التوحيد في قلوب الناس ؛ ألم تسمع جؤار إمام الحنفاء الموحِّدين إبراهيم الخليل- عليه الصلاة و السلام - , و قد خاف على نفسه الشرك , فقال : (( رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ )) [إبراهيم : 35-36] .
قال المغيرة بن مِقْسَم : " كان إبراهيم التيمي يقصُّ و يقول في قصصه : من يأمن البلاء بعد خليل الله إبراهيم حين يقول : رب و اجنبني و بني أن نعبد الأصنام ؟! " (2) ....."