القرآن الكريم يتحدى العالم
تحدّى اللهُ تعالى اهلَ الفصاحةوالبلاغة-العرب-اَن
يأتوابمثل هذا القرآن ،ثم تحدّاهم أن
ياتوا بمثْل عشر سور منه...
ثم تحدّاهم
أن يأتوا بمثل سورةٍ واحدةٍ منه...كل ذلك كان
فى مكة المكرمة:
( قُلْ لَئِن اجتمعت الاِنسُ والجنُ على أن يأتُوا بمِثْل
هذا القرآنِ لايأتون بمثله ...)الاسراء-88
(أمْ يقولون افتراه ...قُل فأتوابِعشْرسُوَرٍمثله...)هود-13
(أم يقولون افتراه ...قل فأتوا بسُورة مثله...)يونس-38
وبعد أن أمضى رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – فى مكة
نحوَ ثلاث عشرة سنة ..يهدى الناس الى الحق،ويتحداهم
بالقرآن ،هاجر الى المدينة المنورة هو واصحابه...
عاد القرآن مرة اخرى يتحدى
فقال فى سورة البقرة :
( واِن كُنتم فى ريبٍ ممّا نزّلْنا على عبدِنا فأتوا بسُورةٍ من مِّثْلِه،وادعُوا شُهداءَكم مِّن دُونِ الله اِن كُنتم صادقين .
.فإن لَّم تفعلوا ،ولن تفعلوا،فاتّقوا النّارَ .......)الآية23-24
قال القرطبى فى تفسيره جـ1 صـ32:
( ولن تفعلوا:اى لن تطيقوا ذلك فيما يأتى ..
وفيه ِإثارة لهِمَمِهم وتحريكٌ لنفوسهم
ليكون عجزُهم بعد ذلك أبدع ..
وهذا من الغيوب التى اخبر بها القرآن قبل وقوعها)انتهى.
ويقول القاضى الباقلانى رحمه الله :
كيف يجوز أن يقدروا على معارضة القرآن الكريم
-السهلة عليهم لو كان فى استطاعتهم -وذلك يدحض حجته،ويفسد دلالته ،ويبطل أمره ،فيعدلون عن ذلك
الى سائر ماصاروا اليه من الاُمور التى ليس عليها
مزيد فى المنابذة والمعاداة ،ويتركون الامر الخفيف..؟
هذا مايمتنع وقوعه فى العادات ،ولايجوز اتفاقه من العقلاء.
ومعنى عبارة الباقلانى :انه اذا كان العربُ قادرين
على الإتيان بمثل القرآن ..
فلماذا دخلوا معه فى حروب طويلة سالت فيها الدماء
وقطعت فيها الرقاب ...؟
يقول الشيخ وحيد الدين خان فى كتابه (الاسلام يتحدى):
انه أغرب تحدٍفى التاريخ وأ كثره إثارة للدهشة ..
فلم يجرؤ احدٌمن الكُتّاب فى التاريخ الإنسانى
–وهو بكامل عقله-أن يقدِّم تحدِّياً مماثلا..
فليس هناك مؤلِّف يمكنُ أن يضعَ كتاباً
يستحيلُ على الآخَرين أن يكتُبوا مثلَه او خيراً منه..
فمن الممكن اِصدارُ مثيلٍ من أى عمل اِنسانى فى أى مجال
ولكن حين يٌدّعىَ أن هناك كلاماً
ليس فى امكان البشر الاِتيان بمثله ..
ثم تخفق البشرية على مدى التاريخ.. فى مواجهةهذاالتحدى..
حينئذ يثبت تلقائيا أنه كلام غير انسانى ..
وأنها كلمات صدرت عن صميم المنبع الإلهى
وكل ما يخرج من المنبع الإلهى لا يمكن مواجهة تحدياته.
ورغم أن العلماءَ قد اتفقوا على أن أحداً من الناس لم
-ولن- يأتى بمثل هذا القرآن..وأن البشر عاجزون
عن معارضته بقرآن مثله..إلا أنهم
-من حيث الرّأْى فى أسباب هذا العجز-
قد انقسموا إلى فريقين :
فقال أهل السّنة: ان البشر عاجزون لأن القرآن معجزٌ فى ذاته ..
وأما المعتزلة فقد قالوا أن البشر يمكنهم ان يأتوا بمثله،
ولكن الله يصرفهم عن ذلك بقدرته ..
واصطلحوا على تسمية ذلك ب(الصَّرْفة)..
وقد قرربعضُ المتكلِّمين الاِعجاز بطريق
يشمل قول أهل السنة ،وقول المعتزلة فى الصرفة فقال :
اِن كان هذا القرآن معجزا ًفى ذاته
ولايستطيع البشر الإتيان بمثله ،ولا فى قُواهم معارضته،
فقد حصل المدّعَى وهو المطلوب..
واِن كان فى إمكانهم معارضته بمثله ،
ولم يفعلوا ذلك مع شدة عداوتهم له،
كان ذلك دليلاً على أنه من عند الله لصرفه اِياهم عن معارضته
مع قدرتهم على ذلك (من تفسير ابن كثير ج1 ص 61) ..
وقال ابن كثيرأيضاً:وهذه الطريقة –وإن لم تكن مُرْضية..
-لأن القرآن مُعجز فى ذاته –إلا أنها تصلح على سبيل
التنزّل والمجادلة والمنافحةعن الحق ،
وبهذا أجاب الرازى فى تفسيره عن سؤاله
فى السور القصار كالعصر والكوثر .
أقول:أغلب الظن أن المعتزلة لم يقرروا رأيهم الذى أشرنا اِليه..
إلا لأنهم نظروا اِلى المعجزة القرآنية
فلم يروا منها سوى جانباً واحداً
هو جانب البلاغة والفصاحة ،
أى انهم نظروا الى اللفظ القرآنى
دون التنبه الى الجوانب الأخرى من الاِعجاز .
ولعمرى لو أنهم عاصروا أيامنا هذه،
ورأوا مصداق الآية الكريمة:
(سَنٌريهم آياتِنا فى الآفاقِ وفى أنفُسِهِم ،
حتّى يتبيّن لهم أنّه الحق)
لو عاصرونا لما قالوا ذلك،
فقد قرر القرآن أمورا
ماكان أهل زمان نزوله يعلمون عنها سوى
ظاهراً من القول ،
أمّا مغزاها الحقيقى فلم يظهر الا بعد ذلك..
تبعا ًلتقدم البشريةالعلمى واختراع الانسان أجهزة ..
أعانته على رؤية الكون بشكل أوضح من ذى قبل.
ونذكر من بين ما قرره القرآن فى هذا الشأن
-على سبيل المثال مايلى:-
لما نزلت الآية: (والسّماءَبنيْناها بأيْدٍ واِنّا لموسِعون..)
لم يكن لدى الصحابةأدنى فكرة عن اتّساع الكون ،
ففسَّر الأقدمون الآية هكذا:بأيدٍ:أى بقوة.
وإنّا لموسِعون:معناه:وإنا لذوو سعة بخلقها وخلق ما نشاء،
أى وفى وسعنا خلقها وخلق ما نشاء غيرها.
ولكن الانسان فى العصر الحديث
يرى من معطيات هذه الآية أكثر من ذلك بكثير ،
فقد توصل العلماءاِلى أن
المادة كانت جامدة وساكنة فى أول الأمر ،
فى صورةغاز ساخن كثيف متماسك ،
وحدث انفجار شديد فى هذه المادة ،
فبدأت تتمدد،وتتباعد أطرافها ،
ونتيجة لهذا أصبح تحرك المادة أمراًحتمياً..
لابد من استمراره ،طبقاًلقوانين الطبيعة التى تقول :
ان قوة الجاذبية فى هذه الأجزاء من المادة تقل تدريجيا،
بسبب تباعدها ،
ومن ثَََم تتسع المسافة بينها بصورة ملحوظة .
يقول البروفيسور (ايدنجتون):
ان دائرة المادة أصبحت الآن
عشرة امثال الدائرة الحقيقيةللمادة،
ويقول ايضا:
ان مثال النجوم والمجرات كنقوش مطبوعة،
على سطح بالون من المطاط،
وهو ينتفخ باستمرار،
وهكذا تتباعد جميع الكرات الفضائية
عن أخواتها بحركتها الذاتية فى عملية التوسع الكونى
أنظر science the limitations of
.ومثال تلك الآيات فى القرآن كثير جداً..
لدرجة أنه ظهرت فى العصر الحديث مؤلفات كثيرة،
تحمل عناوين تدل على الاعجاز العلمى
فى القرآن الكريم .
سؤال
وقد ينصرف الذهن الى احتمال طرح السؤال التالى :
(إذا كان القرآن قد نزل كرسالة الى الناس كافة،
-وبالتالى فان التحدى به يكون موجهاًالى الناس كافة-
واذا كان قد نزل بلغة العرب ،
فكيف يستقيم توجيه التحدى لمن لا يتكلم العربية؟؟..
ومن هنا نعلم ان القائل بذلك،
قد تناسىَ او تجاهَلَ ان القرآن،
–كأى كلام بأى لغة-أنما هو الفاظ ومعانٍ،
وأن وجوه الإعجاز فيه لاتقتصر على الألفاظ،
بل تتعدى إلى ما تحمله هذه الألفاظ من معان.
والمعانى –دائماً- لها وعاء مشترك فى كل إنسان..
هذا الوعاء هو العقل ...وحين يريد إنسانٌ ما
نقْل هذه المعانى من عقله الى عقل غيره ،فلا بد أن
يصُبّهافى قوالب-ألفاظ-مشتركةبين عقله،
وعقل مَن يريد أن ينقل إليه المعانى ،
وقد تكون هذه القوالب-الألفاظ-عربية أو انجليزية
أو فرنسية ...إلخ .
وألفاظ القرآن –وإن كانت عربية –فإنه سهْلٌ على
أىإنسان أن يعرف اللفظ العربى،
ونظيره من اللفظ الأجنبى
وذلك بشىء من الدراسة.
وإن التحدِّى المطلوب فى هذه الحالة..
هو فى إيجاد المعانى المماثلة لمعانى القرآن،
وليس الألفاظ المماثلة لألفاظه .
وإننى أرى بكل ثقة واطمئنان،
أن هذه الدراسة التى بين يدى القارىء هى خير شاهد
على صدق ما أقول به الآن.
فإذا كانت قراءة القرآن بلغته الأصلية
صعبة على غير العربى،
فإن قراءته مترجَماً الى لغة هذا الأجنبى
سوف تكون سهلة عليه،
وفى هذه الحالة
لن يكون مطلوباًمنه الإتيان بمثل ألفاظ القرآن،
ولكن سيكون عليه أن يأتى بمثل معانيه ،
وفى هذه الحالة سوف يكتشف بنفسه
جانب الإعجاز التاريخى فى القرآن .
فإن كثيراًمن الآيات
تبدأبحرف ال(س)المقترنة بالفعل المضارع
فتجعله دالّلاً على حدوث هذا الفعل فى المستقبل
مثل قوله تعالى سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّون الدّبُرَ )
وترجمتها إلى الإنجليزية
–أكثر اللغات شيوعاًفى العالم-هكذا:
soon will their multitude be put flight
and will show their backs
وهى من ترجمة
على عبدالله يوسف
المشهورة فى أنحاء العالم.
وقوله تعالى سَنُريهِم آياتِنافى الآفاق وفى أنفُسِهِم
حتّى يَتَبَيّنَ لهُم أنّهُ الحَقّ...)
soon will we show them our signs
in the(furthest) regions (of the earth),
and in their own souls,
until it becomes manifest to them
that this is the truth''
الآية 53من سورة فصلت.
وهكذا فإن حرف ال (س ) الدال على المستقبل
باقترانه بالفعل المضارع،
له نظير فى كل لغات العالم -وإن اختلفت الألفاظ والصيغ-
.وإنَّ اكتشاف صيغةِ المستقبل فى ترجمةِ القرآن
لاتعدو أن تكون تحصيل حاصل لقارىء هذه الترجمة ،
وعندئذ سيكون التحدِّى الموجَّه إليه
أن يتنبَّأ كما تنبَّأ القرآن...
هذا وإن كان وارِداً أن يقبل التحدِّى ،
فإنه من غير شكٍِ سوف تكون تنبؤاته عقيمة ،
فحين يشرع فى عمله سوف يكتشف
أن التنبُّؤَ بالأحداث نوعان :
النوع الأول يكون مبنياًعلى أساس قراءة الواقع
بحيث يمكن وصفه بأنه
تحصيل حاصل لمجريات الأمور فى الحاضر ،
مثل حساب موازين القوى ...إلخ
أما النوع الثانى
فهو الذى لا يرتبط فيه المتنبىء بالحاضر ،
ولا صلة له بقراءة الواقع ،
بل يتخطى حواجز الزمان والمكان
مستشرفاًإلى آفاق المستقبل .
النوع الأول يدَّعيه العباقرة ،وأحياناً المجانين ،
وقد يُصيبون، ولكن فى الأغلب الأعم يُخْطِئون .
أمّاالنّوع الثانى فلا يجرى إلا على شفاه الأنبياء،
وهذا النوع- منطقياً-ليس فيه نسبة من الخطأ،
لأَنَّ الأنبياء لايتكلمون من عند أنفسهم ،
بل من عند الله..
وسوف يكتشف الذى قَبِِِلَ التحدِّى
أن نبوءات القرآن كانت من النوع الثانى .
ومثالاَعلى ذلك: حين تنبَّأَ القرآن بغلبة الروم على الفرس،
فى قوله تعالى :
(ألــــَم.غُلِبَت الرُّومُ فى أدنى الأرضِ
وهُم من بعدِ غَلَبِهِم
سيغلبون .فى بِضْع سنين ..)
لم تكن نبوءة مبنية على قراءة الواقع ،
أوعلى حساب موازين القوى ....
علَّق المؤرِّخ جِبُن على هذه النبوءة بقوله:
( حين تنبأ القرآن بهذه النبوءة ،
لم تكن أيَّةُ نبوءة أبعد منها وقوعاً،
لأن السنين الاثنتى عشرة الأولى من حكومة هرقل،
كانت تؤذِنُ بانتهاء الإمبراطورية الرومانية )
تحدّى اللهُ تعالى اهلَ الفصاحةوالبلاغة-العرب-اَن
يأتوابمثل هذا القرآن ،ثم تحدّاهم أن
ياتوا بمثْل عشر سور منه...
ثم تحدّاهم
أن يأتوا بمثل سورةٍ واحدةٍ منه...كل ذلك كان
فى مكة المكرمة:
( قُلْ لَئِن اجتمعت الاِنسُ والجنُ على أن يأتُوا بمِثْل
هذا القرآنِ لايأتون بمثله ...)الاسراء-88
(أمْ يقولون افتراه ...قُل فأتوابِعشْرسُوَرٍمثله...)هود-13
(أم يقولون افتراه ...قل فأتوا بسُورة مثله...)يونس-38
وبعد أن أمضى رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – فى مكة
نحوَ ثلاث عشرة سنة ..يهدى الناس الى الحق،ويتحداهم
بالقرآن ،هاجر الى المدينة المنورة هو واصحابه...
عاد القرآن مرة اخرى يتحدى
فقال فى سورة البقرة :
( واِن كُنتم فى ريبٍ ممّا نزّلْنا على عبدِنا فأتوا بسُورةٍ من مِّثْلِه،وادعُوا شُهداءَكم مِّن دُونِ الله اِن كُنتم صادقين .
.فإن لَّم تفعلوا ،ولن تفعلوا،فاتّقوا النّارَ .......)الآية23-24
قال القرطبى فى تفسيره جـ1 صـ32:
( ولن تفعلوا:اى لن تطيقوا ذلك فيما يأتى ..
وفيه ِإثارة لهِمَمِهم وتحريكٌ لنفوسهم
ليكون عجزُهم بعد ذلك أبدع ..
وهذا من الغيوب التى اخبر بها القرآن قبل وقوعها)انتهى.
ويقول القاضى الباقلانى رحمه الله :
كيف يجوز أن يقدروا على معارضة القرآن الكريم
-السهلة عليهم لو كان فى استطاعتهم -وذلك يدحض حجته،ويفسد دلالته ،ويبطل أمره ،فيعدلون عن ذلك
الى سائر ماصاروا اليه من الاُمور التى ليس عليها
مزيد فى المنابذة والمعاداة ،ويتركون الامر الخفيف..؟
هذا مايمتنع وقوعه فى العادات ،ولايجوز اتفاقه من العقلاء.
ومعنى عبارة الباقلانى :انه اذا كان العربُ قادرين
على الإتيان بمثل القرآن ..
فلماذا دخلوا معه فى حروب طويلة سالت فيها الدماء
وقطعت فيها الرقاب ...؟
يقول الشيخ وحيد الدين خان فى كتابه (الاسلام يتحدى):
انه أغرب تحدٍفى التاريخ وأ كثره إثارة للدهشة ..
فلم يجرؤ احدٌمن الكُتّاب فى التاريخ الإنسانى
–وهو بكامل عقله-أن يقدِّم تحدِّياً مماثلا..
فليس هناك مؤلِّف يمكنُ أن يضعَ كتاباً
يستحيلُ على الآخَرين أن يكتُبوا مثلَه او خيراً منه..
فمن الممكن اِصدارُ مثيلٍ من أى عمل اِنسانى فى أى مجال
ولكن حين يٌدّعىَ أن هناك كلاماً
ليس فى امكان البشر الاِتيان بمثله ..
ثم تخفق البشرية على مدى التاريخ.. فى مواجهةهذاالتحدى..
حينئذ يثبت تلقائيا أنه كلام غير انسانى ..
وأنها كلمات صدرت عن صميم المنبع الإلهى
وكل ما يخرج من المنبع الإلهى لا يمكن مواجهة تحدياته.
ورغم أن العلماءَ قد اتفقوا على أن أحداً من الناس لم
-ولن- يأتى بمثل هذا القرآن..وأن البشر عاجزون
عن معارضته بقرآن مثله..إلا أنهم
-من حيث الرّأْى فى أسباب هذا العجز-
قد انقسموا إلى فريقين :
فقال أهل السّنة: ان البشر عاجزون لأن القرآن معجزٌ فى ذاته ..
وأما المعتزلة فقد قالوا أن البشر يمكنهم ان يأتوا بمثله،
ولكن الله يصرفهم عن ذلك بقدرته ..
واصطلحوا على تسمية ذلك ب(الصَّرْفة)..
وقد قرربعضُ المتكلِّمين الاِعجاز بطريق
يشمل قول أهل السنة ،وقول المعتزلة فى الصرفة فقال :
اِن كان هذا القرآن معجزا ًفى ذاته
ولايستطيع البشر الإتيان بمثله ،ولا فى قُواهم معارضته،
فقد حصل المدّعَى وهو المطلوب..
واِن كان فى إمكانهم معارضته بمثله ،
ولم يفعلوا ذلك مع شدة عداوتهم له،
كان ذلك دليلاً على أنه من عند الله لصرفه اِياهم عن معارضته
مع قدرتهم على ذلك (من تفسير ابن كثير ج1 ص 61) ..
وقال ابن كثيرأيضاً:وهذه الطريقة –وإن لم تكن مُرْضية..
-لأن القرآن مُعجز فى ذاته –إلا أنها تصلح على سبيل
التنزّل والمجادلة والمنافحةعن الحق ،
وبهذا أجاب الرازى فى تفسيره عن سؤاله
فى السور القصار كالعصر والكوثر .
أقول:أغلب الظن أن المعتزلة لم يقرروا رأيهم الذى أشرنا اِليه..
إلا لأنهم نظروا اِلى المعجزة القرآنية
فلم يروا منها سوى جانباً واحداً
هو جانب البلاغة والفصاحة ،
أى انهم نظروا الى اللفظ القرآنى
دون التنبه الى الجوانب الأخرى من الاِعجاز .
ولعمرى لو أنهم عاصروا أيامنا هذه،
ورأوا مصداق الآية الكريمة:
(سَنٌريهم آياتِنا فى الآفاقِ وفى أنفُسِهِم ،
حتّى يتبيّن لهم أنّه الحق)
لو عاصرونا لما قالوا ذلك،
فقد قرر القرآن أمورا
ماكان أهل زمان نزوله يعلمون عنها سوى
ظاهراً من القول ،
أمّا مغزاها الحقيقى فلم يظهر الا بعد ذلك..
تبعا ًلتقدم البشريةالعلمى واختراع الانسان أجهزة ..
أعانته على رؤية الكون بشكل أوضح من ذى قبل.
ونذكر من بين ما قرره القرآن فى هذا الشأن
-على سبيل المثال مايلى:-
لما نزلت الآية: (والسّماءَبنيْناها بأيْدٍ واِنّا لموسِعون..)
لم يكن لدى الصحابةأدنى فكرة عن اتّساع الكون ،
ففسَّر الأقدمون الآية هكذا:بأيدٍ:أى بقوة.
وإنّا لموسِعون:معناه:وإنا لذوو سعة بخلقها وخلق ما نشاء،
أى وفى وسعنا خلقها وخلق ما نشاء غيرها.
ولكن الانسان فى العصر الحديث
يرى من معطيات هذه الآية أكثر من ذلك بكثير ،
فقد توصل العلماءاِلى أن
المادة كانت جامدة وساكنة فى أول الأمر ،
فى صورةغاز ساخن كثيف متماسك ،
وحدث انفجار شديد فى هذه المادة ،
فبدأت تتمدد،وتتباعد أطرافها ،
ونتيجة لهذا أصبح تحرك المادة أمراًحتمياً..
لابد من استمراره ،طبقاًلقوانين الطبيعة التى تقول :
ان قوة الجاذبية فى هذه الأجزاء من المادة تقل تدريجيا،
بسبب تباعدها ،
ومن ثَََم تتسع المسافة بينها بصورة ملحوظة .
يقول البروفيسور (ايدنجتون):
ان دائرة المادة أصبحت الآن
عشرة امثال الدائرة الحقيقيةللمادة،
ويقول ايضا:
ان مثال النجوم والمجرات كنقوش مطبوعة،
على سطح بالون من المطاط،
وهو ينتفخ باستمرار،
وهكذا تتباعد جميع الكرات الفضائية
عن أخواتها بحركتها الذاتية فى عملية التوسع الكونى
أنظر science the limitations of
.ومثال تلك الآيات فى القرآن كثير جداً..
لدرجة أنه ظهرت فى العصر الحديث مؤلفات كثيرة،
تحمل عناوين تدل على الاعجاز العلمى
فى القرآن الكريم .
سؤال
وقد ينصرف الذهن الى احتمال طرح السؤال التالى :
(إذا كان القرآن قد نزل كرسالة الى الناس كافة،
-وبالتالى فان التحدى به يكون موجهاًالى الناس كافة-
واذا كان قد نزل بلغة العرب ،
فكيف يستقيم توجيه التحدى لمن لا يتكلم العربية؟؟..
ومن هنا نعلم ان القائل بذلك،
قد تناسىَ او تجاهَلَ ان القرآن،
–كأى كلام بأى لغة-أنما هو الفاظ ومعانٍ،
وأن وجوه الإعجاز فيه لاتقتصر على الألفاظ،
بل تتعدى إلى ما تحمله هذه الألفاظ من معان.
والمعانى –دائماً- لها وعاء مشترك فى كل إنسان..
هذا الوعاء هو العقل ...وحين يريد إنسانٌ ما
نقْل هذه المعانى من عقله الى عقل غيره ،فلا بد أن
يصُبّهافى قوالب-ألفاظ-مشتركةبين عقله،
وعقل مَن يريد أن ينقل إليه المعانى ،
وقد تكون هذه القوالب-الألفاظ-عربية أو انجليزية
أو فرنسية ...إلخ .
وألفاظ القرآن –وإن كانت عربية –فإنه سهْلٌ على
أىإنسان أن يعرف اللفظ العربى،
ونظيره من اللفظ الأجنبى
وذلك بشىء من الدراسة.
وإن التحدِّى المطلوب فى هذه الحالة..
هو فى إيجاد المعانى المماثلة لمعانى القرآن،
وليس الألفاظ المماثلة لألفاظه .
وإننى أرى بكل ثقة واطمئنان،
أن هذه الدراسة التى بين يدى القارىء هى خير شاهد
على صدق ما أقول به الآن.
فإذا كانت قراءة القرآن بلغته الأصلية
صعبة على غير العربى،
فإن قراءته مترجَماً الى لغة هذا الأجنبى
سوف تكون سهلة عليه،
وفى هذه الحالة
لن يكون مطلوباًمنه الإتيان بمثل ألفاظ القرآن،
ولكن سيكون عليه أن يأتى بمثل معانيه ،
وفى هذه الحالة سوف يكتشف بنفسه
جانب الإعجاز التاريخى فى القرآن .
فإن كثيراًمن الآيات
تبدأبحرف ال(س)المقترنة بالفعل المضارع
فتجعله دالّلاً على حدوث هذا الفعل فى المستقبل
مثل قوله تعالى سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّون الدّبُرَ )
وترجمتها إلى الإنجليزية
–أكثر اللغات شيوعاًفى العالم-هكذا:
soon will their multitude be put flight
and will show their backs
وهى من ترجمة
على عبدالله يوسف
المشهورة فى أنحاء العالم.
وقوله تعالى سَنُريهِم آياتِنافى الآفاق وفى أنفُسِهِم
حتّى يَتَبَيّنَ لهُم أنّهُ الحَقّ...)
soon will we show them our signs
in the(furthest) regions (of the earth),
and in their own souls,
until it becomes manifest to them
that this is the truth''
الآية 53من سورة فصلت.
وهكذا فإن حرف ال (س ) الدال على المستقبل
باقترانه بالفعل المضارع،
له نظير فى كل لغات العالم -وإن اختلفت الألفاظ والصيغ-
.وإنَّ اكتشاف صيغةِ المستقبل فى ترجمةِ القرآن
لاتعدو أن تكون تحصيل حاصل لقارىء هذه الترجمة ،
وعندئذ سيكون التحدِّى الموجَّه إليه
أن يتنبَّأ كما تنبَّأ القرآن...
هذا وإن كان وارِداً أن يقبل التحدِّى ،
فإنه من غير شكٍِ سوف تكون تنبؤاته عقيمة ،
فحين يشرع فى عمله سوف يكتشف
أن التنبُّؤَ بالأحداث نوعان :
النوع الأول يكون مبنياًعلى أساس قراءة الواقع
بحيث يمكن وصفه بأنه
تحصيل حاصل لمجريات الأمور فى الحاضر ،
مثل حساب موازين القوى ...إلخ
أما النوع الثانى
فهو الذى لا يرتبط فيه المتنبىء بالحاضر ،
ولا صلة له بقراءة الواقع ،
بل يتخطى حواجز الزمان والمكان
مستشرفاًإلى آفاق المستقبل .
النوع الأول يدَّعيه العباقرة ،وأحياناً المجانين ،
وقد يُصيبون، ولكن فى الأغلب الأعم يُخْطِئون .
أمّاالنّوع الثانى فلا يجرى إلا على شفاه الأنبياء،
وهذا النوع- منطقياً-ليس فيه نسبة من الخطأ،
لأَنَّ الأنبياء لايتكلمون من عند أنفسهم ،
بل من عند الله..
وسوف يكتشف الذى قَبِِِلَ التحدِّى
أن نبوءات القرآن كانت من النوع الثانى .
ومثالاَعلى ذلك: حين تنبَّأَ القرآن بغلبة الروم على الفرس،
فى قوله تعالى :
(ألــــَم.غُلِبَت الرُّومُ فى أدنى الأرضِ
وهُم من بعدِ غَلَبِهِم
سيغلبون .فى بِضْع سنين ..)
لم تكن نبوءة مبنية على قراءة الواقع ،
أوعلى حساب موازين القوى ....
علَّق المؤرِّخ جِبُن على هذه النبوءة بقوله:
( حين تنبأ القرآن بهذه النبوءة ،
لم تكن أيَّةُ نبوءة أبعد منها وقوعاً،
لأن السنين الاثنتى عشرة الأولى من حكومة هرقل،
كانت تؤذِنُ بانتهاء الإمبراطورية الرومانية )