أثارت فتوى أصدرتها دار الإفتاء المصرية بخصوص عدم جواز توريث الحكم، جدلا سياسيا فى مصر بين المعارضة والحزب الوطني
الديمقراطي الحاكم، وذلك في الوقت الذي أيد الفتوى علماء دين آخرون لتوافقها مع الشرع ومع الدستور المصري الحالي في حين عارضها مقربون من النظام الحاكم وأعتبروها تدخلا في الشأن السياسي للدولة.
ورغم نفي الرئيس المصري حسني مبارك، ونجله جمال مبارك عدة مرات في السابق، أي اتجاه لتوريث الحكم، إلا أن قوى المعارضة فى مصر تقول إنه سيناريو يجرى إعداده لتولى جمال وراثة والده فى الحكم عبر انتخابات "محكومة".
وكانت الأمانة العامة لدائرة الإفتاء المصرية، برئاسة الدكتور على جمعة، مفتى البلاد، قالت إن الفقه الإسلامى لا يجيز توريث الحكم، لأنه لا يجرى فى إمامة المسلمين، كما أن الفقه الإسلامى لا يمنع من تولية العهد الذى هو عبارة عن اختيار الحاكم لمن يخلفه.
في هذه الأثناء، رفض رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان المصري الدكتور مصطفى الفقي فتوى التوريث وعلق عليها قائلا : "التوريث ليس قضية دينية وإنما مسألة سياسية، وهو تعبير يستخدم في الأنظمة الملكية، أما في النظام الجمهوري فيتم اختيار رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع الحر المباشر كما ينص على ذلك دستور البلاد".
وبينما قالت جماعة الإخوان المسلمين، على لسان نائب كتلتها البرلمانية، حسين إبراهيم، إن المواد الدستورية المحددة لطريقة اختيار رئيس للدولة، تعتبر في حد ذاتها مادة تكرس لتوريث الحكم، لأي مرشح محتمل يقدمه الحزب الحاكم، الذي يرأسه الرئيس المصري، قال إبراهيم الجوجري القيادي في الحزب الوطني، وكيل اللجنة الدستورية والتشريعية لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية: "لا وجود لمفهوم التوريث الذي يعلنه البعض، ويهاجمه البعض، ويؤيده البعض".
أما عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد رأفت عثمان فقال إن "علماء الأمة الإسلامية على مر العصور قد اجمعوا على أن منصب الرئيس الأعلى للدولة لا يورث شرعاً، لأن هناك شروطاً لابد من توافرها في من يتم ترشيحه لهذا المنصب".
ودعا عثمان الى طرح من يتم تسميته لولاية العهد على الاستفتاء الشعبي لينال شرعية استلامه منصب الحكم ، اذا صوت له الشعب، والا فلا يحق له استلام مقاليد الحكم.
ووصفت أستاذة الفقه المقارن في جامعة الأزهر الدكتورة سعاد صالح فتوى جمعة بأنها "جريئة"، وقالت: "هذا الرأي صحيح تماما لأنه لا توريث في الحكم في الإسلام منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي ترك الحكم من بعده للتشاور والمبايعة والشورى ثم طبق الخلفاء الراشدون ذلك حتى مجيء الدولة الأموية".
من جانبه أوضح الدكتور عبد الفتاح إدريس رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر بالقاهرة قائلاً : "إن فكرة توريث الحكم ليس لها مستند شرعي، ولا سابقة في تاريخ المسلمين"، فيما أيد الدكتور محمد الدسوقي أستاذ الشريعة الإسلامية في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، الفتوى قائلاً إنها "استندت لأدلة شرعية قوية، لا تتصادم مع نصوص أخرى.. طالما دستور البلاد ينص على انتخاب رئيس الجمهورية بطريقة الاقتراع السري، فإن هذا الأمر أصبح عقدا ملزما بين القمة والقاعدة".
بدوره، وصف الدكتور مصطفى الشكعة، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، الفتوى بأنها "شرعية ومنضبطة ومتمشية مع نظام الحكم في الاسلام"، لكنه قال إن هذه الفتوى لن تعجب المشتغلين بالسياسة بغير ضابط، خاصة إن الاسلام ليس ضد أن يتولى الحاكم الحكم طوال حياته، ما دام قادرا على خدمة الرعية على أن يكون مجيئه إلى الحكم عن طريق الشورى والانتخابات الحرة النزيهة، وهذا هو منطق الفتوى.
يذكر أن التعديلات الأخيرة للدستور المصري التي جرت عام 2005 أقرت في المادة 76 أن طريقة انتخاب رئيس الجمهورية تكون عبر انتخابات تعددية بين أكثر من مرشح، وألغت طريقة الانتخاب السابقة عبر ترشيح من أعضاء الحزب الحاكم في البرلمان.
واشترط التعديل الدستوري حصول المرشحين المستقلين على تزكية 65 على الأقل من أعضاء مجلس الشعب المنتخبين البالغ عددهم 444، والذي يشغل الحزب الوطني قرابة 400 مقعد منه مقابل حوالي 34 مقعد لكل أحزاب المعارضة والإخوان، كما أشترط حصول المرشح علي 25 مقعدا من مقاعد مجلس الشورى (264 مقعد) الذي لا يوجد به أعضاء معارضون باستثناء المعينين من قبل رئيس الدولة، وأن يحصل المرشح كذلك على توقيع 190 عضو بالمجالس المحلية.
الفتوى المثيرة للجدل
على جمعة |
كان أحد المواطنين المصريين وجه سؤالا لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر في أبريل/ نيسان الماضي حول موضوع جواز توريث الحكم فى الإسلام، ومدى إمكانية تطبيق ذلك فى مصر من عدمه، وأجابت عنه أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية في بيان رسمي أصدرته يوم السبت الماضي.
وأفتت أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، برئاسة الدكتور علي جمعة مفتي مصر، بعدم جواز توريث الحكم، ونصت على أن الفقه الإسلامي لا يجيز توريث الحكم، لأنه "يجري في إمامة المسلمين"، لكنها أشارت أيضاً إلى أن "الفقه الإسلامي لا يمنع من تولية العهد، الذي هو عبارة عن اختيار الحاكم لمن يخلفه".
وشددت الفتوى على "عدم جواز توريث الحكم بأى حال من الأحوال"، وأن الالتزام بالدستور ونظام الدولة المتفق عليه بين أفراد الشعب هو أمر واجب شرعا، وأن أى تغيير فى نظام الحكم يجوز شرعا شريطة موافقة الشعب عليه.
وأكدت الفتوى على أن الدولة "لو كان نظام الحكم فيها جمهوريا ديمقراطيا كما فى الديار المصرية فإن المنظم لهذا الشأن يكون هو ما قرره دستور البلاد- الذى اتفقت عليه كلمة المصريين، والذى لا يخالف الشريعة الإسلامية، ولا الفقه الإسلامي- والذى نص فى مادته رقم "76 المعدلة عام 2005" على أن ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السرى العام المباشر، وعليه فإن النظام المتفق عليه بين المصريين لا يجيز توريث الحكم، ولا تولية العهد".
وقالت الفتوى إن "الشرع لا يمنع ولا يفرض نظاما معينا لصورة الحكم، سواء كانت هذه الصورة ملكية أو جمهورية، أو أى نظام آخر يتفق عليه الناس، ويحقق مصالحهم العليا، كما أنه لا يمنع من الانتقال من نظام إلى آخر إذا ارتضى الشعب ذلك، واجتمعت عليه كلمتهم".
وأشارت إلى أن "انتخاب الشعب لأى شخص توافرت فيه الشروط الدستورية التى تم الإجماع عليها سابقا جائز شرعا ووضعا".
واختتمت دار الإفتاء المصرية فتواها بالقول إن "من أراد أن يغير النظام والدستور الذى اتفق عليه الناس، فعليه أن يسلك الطرق المشروعة للوصول إلى اتفاق آخر يتحول إليه المصريون باتفاق مشروع تترتب عليه آثاره، وأن الشرع لا يمنع من تغيير الدستور إذا ارتأت الجماعة المصرية ذلك، واتخذت الإجراءات والخطوات المرعية فى سبيل ذلك".